منتدى الاز الغالي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الاز الغالي يرحب بكم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصيدة رائعة لوزير العمل السعودي سابقا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اميرالجزيرة
عضو مميز
عضو مميز



عدد الرسائل : 11
تاريخ التسجيل : 11/09/2008

قصيدة رائعة لوزير العمل السعودي سابقا Empty
مُساهمةموضوع: قصيدة رائعة لوزير العمل السعودي سابقا   قصيدة رائعة لوزير العمل السعودي سابقا I_icon_minitimeالإثنين سبتمبر 15, 2008 1:59 pm

قرأت شيئا جميلاً ورائعاً..وددت أن تشاركوني إياه

وهو من كتاب قصائد أعجبتني ..لدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي ..
تحليل أدبي بديع لروائع الشعر وأجمله
اخترت لكم منه واحدة من خمس قصائد تضمنها الكتاب – الجزء الثاني:
القصيدة الملحمة / الأطلال ..لإبراهيم ناجي

أرجو لكم قراءة ممتعة


تبدأُ القصيدة بدايَةً دراميّةً شبيهةً بصدمةٍ كهربائيّة. بداية القصيدة إعلان وفاة _أو نعي كما تقول الجرائد_. أمّا المأسوف عليه، فهوَ الحبّ الّذي انتهى:


يا فؤادي رَحِمَ اللهُ الهوى
كانَ صرحاً من خيالٍ فهوى

اسقِني و اشربْ على أطلالِهِ
واروِ عنّي طالَما الدّمعُ روى

كيفَ ذاكَ الحبُّ أمسى خبراً
و حديثاً من أحاديثِ الجوى

و بِساطاً من ندامى حُلَّمٍ
هم تواروا أبَدَ الدّهرِ و هْوَ انطوى


و لكنّ شاعرنا _الصادقَ دائماً_ سرعانَ ما يُدركُ أنّهُ في حقيقةِ الأمر يُخادعُ نفسَه، لقَدِ انتهى الحبّ من جانِبِها هيَ، أمّا من جانبِهِ هوَ فلا يزالُ مُتّقِداً مُتَأجّجاً:

يا رياحاً ليسَ يهدأُ عصفها
نَضَبَ الزيتُ و مصباحي انطفا

و أنا أقتاتُ من وهمٍ عفا
و أفي العمرَ لناسٍ ما وَفى

كم تقلّبتُ على خنجرهِ
لا الهوى مالَ و لا الجفنُ غفا

و إذا القلبُ على غفرانِهِ
كلّما غارَ بهِ النصلُ عفا


هذه هيَ الحقيقة تُطِلُّ برأسِها، و مع أوّلِ اعتراف تتلاحقُ الاعترافات فيخبرنا الشاعر أنّهُ في الواقع لا زالَ يحبّها كما أحبّها أوّل يوم:

يا غراماً كانَ منّي في دمي
قَدَراً كالموتِ أو في طعمِهِ

ما قضينا ساعةً في عرسِهِ
و قضينا العمرَ في مأتمِهِ

ما انتزاعي دمعةً من عينِهِ
و اغتصابي بسمةً من فَمِهِ؟

ليتَ شعري أينَ منهُ مهربي؟
أينَ يمضي هاربٌ من دَمِهِ؟

ألا تشعرونَ و أنتم تستمعونَ إلى هذا المقطع بالرثاء للنّقّادِ الذينَ أضاعوا وقتَهم في نقاشٍ عقيم حولَ مدى توفيق الشاعر اللفظي عندما شبّهَ الغرام بالموت؟. الشاعر يتحدّثُ عنِ الحبّ كتجربةٍ شبيهةٍ بالموت في حزنِها و حتميّتِها و قسوتها و حضورِها الدّائم، و النقّاد يصطرعون حولَ لفظ الغرام و لفظ الموت، و هل وُفّقَ الشاعر في الجمعِ بينهما؟.

و في هذه المرحلة منَ القصيدة ينتفضُ المستمعُ الخيالي الذي يُصغي إليها و على وجهِهِ علاماتِ الدّهشة . و أعتقدُ أنَّ الشعراء بينكم يشاركونني تصوّري أنّ أيَّ شاعرٍ يتخيّلُ و هوَ يكتبُ شعرَهُ مستمعاً يُصغي إلى هذا الشعر و يتفاعل معه سلباً و إيجاباً. مستمعنا الخياليّ مندهشٌ من الشاعر، بدأ فتَرَحّمَ على الحبِّ الذي انتهى ، ثمَّ قال إنّهُ لا يزال على العهد، ثمَّ قال إنَّ الحبَّ قدره الذي لايستطيع الفرارَ منه ."لِمَ لا تنساها و تريحُ نفسك؟"، يسأل المستمع و شاعرنا مندهشٌ من دهشةِ المستمع..هل كانتِ امرأةً عاديّةً فينساها بهذه السهولة؟!، هل كانَ حُبّاً عاديّاً فيسلوهُ بهذه البساطة؟!، لا يثيرُ الشجيُّ شئٌ كما يُثيرُهُ أن يطلبَ الخليُّ منهُ النسيان. لا يعرفُ الشوقَ إلاّ من يُكابِدُهُ ، و قبلَ ناجي قالَ كُثّيرُ عزة:

فلا يحسبِ الواشونَ أنّ صبابتي
بعزّةَ كانت غمرةً فَتَجلّتِ

فأصبحتُ قد أبلَلتُ من دنفٍ بها
كما أدنفَتْ هيماءُ حينَ استبلّتِ

فَوَاللهِ ثمَّ اللهِ ما حلَّ قبلَها
و لا بعدَها من خِلّةٍ حيثُ حلَّتِ

لِنَدَعِ الشاعرَ نفسَهُ يشرحُ لنا لِمَ كانَ النسيانُ مستحيلاً:

كيفَ أنساكِ و قد ناديتِني
بِفَمٍ عذبِ المنادةِ رقيقْ

وَ يدٍ تمتدُّ نحوي كيدٍ
من خلالِ الموجِ مُدَّت لغريقْ

آهِ يا قِبلةَ أقدامي إذا
شَكَتِ الأقدامُ أمواجَ الطريقْ

و بريقاً يظمأُ الساري لهُ
أينَ في عيِ ذيّاكَ البريقْ


لم يكنِ الأمرُ إذن نزوةً عابرة أو صبوةً زائلة. كانَ الحبُّ نجاةَ الغريق ، و منارةَ الحائر، و قِبلةَ أقدامِ الضائعين. و قبلَ صاحبةِ ناجي أضاءت ليلى الطريق أمامَ قافلة قيس:

إذا نحنُ أدلجنا و أنتِ أمامَنا
كفى لِمَطَايانا بذكراكِ هاديا

و لابُدَّ هنا من أن أقِفَ لأقول إنّ الذينَ يُصِرّونَ على الخلطِ بينَ الحبّ و النّزواتِ الجنسيّة_و هم للأسفِ كثير سواءً كانوا من المتزمّتين في القدماء أو من أتباعِ فرويد في المحدثين_ يُسِيئونَ إساءةً لا يَتَصوّرونَ أبعادَها إلى الحبِّ نفسِه و إلى الأعمالِ الفنّيّة التي تتحدّثُ عن الحب. الجنس غريزةٌ بيولوجيّة يمارسُها الناس كما تمارسها الحيوانات و هي في حدِّ ذاتِها لا توحي بعملٍ فنّيٍّ خالد.

أمّا الحبّ فعاطفةٌ أخرى أشدّ تعقيداً و شمولاً و عنفاً و دواماً، قد تنطوي و قد لا تنطوي على رغبةٍ جنسيّة، و هيَ _لا النزوةُ العابرة_ مصدرُ الأعمالِ الفنّيّةِ الخالدة.

الحب أبو العواطفِ الإنسانيّة و أبو التاريخ البشري: الدين في جوهرِهِ حبّ الله، و القوميّة حبّ الوطن، و الفلسفة حبّ الحقيقة، و السياسة حب السلطة، و العلم حب الاكتشاف.

الحب الحقيقي هو في الوقتِ نفسه طريقٌ للخلاص من المعضلةِ الإنسانيّة.

مِمَّ كانَ شاعرنا يريدُ الخلاص؟ من رتابةِ الحياة التي تطحنُ كلَّ إنسان؟ من ألمِ الكهولةِ المقبلة بتباشيرِ الخريف؟ من الشعورِ الطبيعيّ لدى كلّ إنسان، و لدى كلّ فنّان بشكلٍ خاص؟ إنّ حياتَهُ هباء في هباء، معركة بلا راية، باطل الأباطيل و قبض الريح.
لا ندري، و لكنّنا ندري أنّ كلّ حبٍّ حقيقيّ هوَ أكثر من مجرّدِ علاقةٍ بينَ رجلٍ و امرأة.

ناجي ينقل بإعجاب تعريفاً للحب لـ"تيوفيل جويته" جاء في طيّاتِه أنّ الحبّ يعني فيما يعنيه " أن تكونَ مُستعدّاً لأكبرِ التضحيات و انكسار الذات...المعجزة أن تتضاعف و أنتَ تبذل".

و قبله قالَ أبو محمّد ابن حزم الأندلسيّ شيخ منظري الحب في (طوق الحمامة) إنّ الحبَّ " استحسانٌ روحاني و امتزاجٌ نفساني مرجعه اتصال بينَ أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع".

باختصار.. الحب الحقيقي هو دائماً قضيّة.

هل تريدونَ التفاصيل؟ إنّها عندَ ناجي:

لستُ أنساكِ و قد أغريتِني
بالذرى الشمِّ فأدمنتُ الطموحْ

أنتِ روحٌ في سمائي لم تزلْ
لكِ أعلو فكأنّي محضُ روحْ

يا لها من قِمَمٍ كنّا بها
نتلاقى و بِسِرَّينا نبوحْ

نَستَشِفُّ الغيبَ من أبراجِها
و نرى النّاسَ ظِلالاً في السفوحْ

هنا يقفزُ مستمعُنا الخيالي مرّةً أخرى فيسألُ شاعرَنا بعنف: كيفَ إذن انتهى هذا الحبّ العظيم؟ ما الّذي حدث؟ و نسألُ نحن كيفَ تنتهي أية علاقةٍ عاطفيّة؟

هناكَ ثلاثة احتمالات لا رابعَ لها: أمّا أن ينهييها الحبيب، أو أن تنهييها الحبية، أو أن تنهييها ظروف أقوى من الحبيب و الحبيبة.

في ساعات الغضب، يخبرنا ناجي أنّ الحبيبة، لجمودِ إحساسِها، كانت هيَ السبب، و هكذا يخبرنا كل عاشقٍ عندما يسخطُ على الحبيبة.

و في ساعاتِ الرّضا، يخبرُنا ناجي أن الحبيبةَ بريئة و أنه _ إذ يخطو إلى أعتابِ الكهولة بشجوٍ و ألم_ هوَ السبب، و هكذا يقول كلّ عاشق عندما يرضى عن الحبيبة.

و في لحظاتِ الهدوءِ الموضوعيّة يخبرنا ناجي أنّ الأقدار كانتِ المسئولة، فلا هو اختارَ أن يحب ، و لا هي اختارت أن تنهي الحب، و هكذا يخبرنا كل عاشق بعدَ أن تهدأَ حدّة العاطفة.

ناجي هنا يبرّئ الحبيبة، و يعدّ كهولته، و أحزانها السبب الحقيقي الذي دفعَ بالصبيّةِ الحسناءإلى إنهاءِ القصة:

أنتِ حسنٌ في ضُحاهُ لم يَزَلْ
و أنا عنديَ أحزانُ الطّفَلْ

و بقايا الظّلِّ من ركبٍ رحلْ
و خيوطُ النّورِ من نجمٍ أَفَلْ

ألمحُ الدّنيا بعيني سأمٍ
و أرى حولي أشباحَ المللْ

راقصاتٍ فوقَ أشلاءِ الهوى
مُعوِلاتٍ فوقَ أجداثِ الأملْ

ذَهَبَ العمرُ هباءً فاذهبي
لم يكنْ وعدُكِ إلاّ شَبَحا

صفحةٌ قد ذهبَ العمرُ بها
أثبتَ الحبَّ عليها و مَحَا

انظري ضحكي و رقصي فَرِحا
و أنا أحملُ قلباً ذُبِحا

و يراني الناسُ روحاً طائراً
و الجوى يطحنني طحن الرّحى

لم يكن ناجي شيخاً محطّماً عندما حدثت القصّة، لم يكن قد تجاوزَ الأربعين إلاّ بسنواتٍ قليلة، و لا ندري كم كانَ عمرُ بطلتِنا ، و لعلّها كانت في نحوِ العشرين، على أنّها كانت أصغر منه بكثير ، و كانَ بالإمكانِ أن تكونَ من بناتِه. إنَّ فارقَ السنِّ في الحبّ ليسَ موقفاً هزليّاً ولا طريفاً، إنّهُ جزءٌ حزين أصيل من التجربةِ البشريّة.
الشيخ لا يبحث عن الإشباعِ الجسدي عند الحبيبة التي تصغرهُ كما يعتقدُ الناس، بل يبحث عن ذلكَ الدّفء الإنساني الّذي يشيعُ الثقةَ و يوحي إليه بأنَّ حياتَهُ لم تنتهِ كما انتهى شبابُه، و أنَّ حيويّتَهُ باقيةٌ متجدّدة . هذا الأمل غالباً ما يتطاير و لا تبقى سوى خيبةِ الأمل . فإذا ما دخَلَتِ الغيرة الصورة انقلبَ الموقفُ الحزين إلى مأساة. هذه هي مأساة عطيل وديدمونة ، و مأساة ديك الجنِّ الحمصي و ورد، و مأساة شهريار و جواريه، و كثيرٌ غيرهم مِمّن نعرف و لا نعرف.

و لكن هل كانَ الشاعرُ مسئولاً عن نهايةِ القصّة ، لمجرّدِ أنّهُ يكبرُ الحبيبةَ سِنّاً؟ شاعرُنا يظلِمُ نفسَه، و يكتشفُ هذا الظلم فيسارعُ إلى إخبارِنا أنَّ المقادير هي المسئولة:

كُنتِ تمثالَ خيالي فهوى
المقاديرُ أرادتْ لا يدي

وَ يْحَها لم تدرِ ماذا حطّمتْ
حطّمَتْ تاجي و هدّتْ معبدي

يا حياةَ البائسِ المنفردِ
يا يَبَاباً ما بهِ من أحدِ

يا قِفاراً لا فحاتٍ ما بها
من نَجِيٍّ_ يا سكونَ الأبدِ


و لكن الحياةَ لم تكن دائماً على هذا النحو : كانت ذات يوم تشرقُ بالسعادة و تعبقُ بالحبور يومَ أنِ التقى بالحبيبة. كيفَ كانتِ الحبيبة ؟ هذا هو المقطع الوحيد في الملحمة بأكملِها الذي يخصّصهُ الشاعر لوصف الحبيبة:

أينَ من عينيَّ حبيبٌ ساحرٌ
فيهِ نُبلٌ و جلالٌ و حياءْ

واثِقُ الخطوةِ يمشي مَلَكَاً
ظالِم الحسنِ شهيُّ الكبرياء

عَبِقُ السحرِ كأنفاسِ الرّبى
ساهِمُ الطّرفِ كأحلامِ المساءْ

مُشرق الطلعةِ في منطقِهِ
لُغةُ النورِ و تعبيرُ السماءْ

لا حظوا أنَّ صورَ الجمالِ الروحي في الحبيبة تنافس مظاهر الجمال الخارجي و تكاد تنتصر عليها، تكاد الحبيبة أن تكونَ تجسيداً لكلِّ المُثُلِ العُليا في الحياةِ من نُبلٍ إلى جلالٍ إلى حياء إلى ثقة إلى كبرياء، كبرياء شهيّة لا ممقوتة. لا بل إنَّ الحبيبةَ توشكُ أن تكونَ صلة الشاعرِ بما وراءَ الأرض، بما وراءَ الغمام، إنها تتحدّثُ بلغةِ السماء.

الحبيبة في الحبِّ الحقيقي يستحيل أن تكونَ مجرّدَ وجهٍ جميل. و نستمع إلى شيخِنا ابنُ حزم مرّةً أخرى يقول:" و لو كانَ علّةُ الحبّ حسن الصورة الجسديّة لوجبَ ألاّ يستحسن الأنقص من الصورة، و نحنُ نجِدُ كثيراً مِمّن يؤثرُ الأدنى و يعلمُ فضلَ غيره و لا يجدُ محيداً لقلبِهِ عنه". و لنستمعْ إلى كُثّير:

و ما تبصرُ العينانِ في موضِعِ الهوى
و لا تسمعُ الأذُنانِ إلاّ منَ القلبِ

الحبيبة في كلّ حبٍّ حقيقيّ هي دائماً قضيّة !

الحب بينَ رجلٍ و امرأة صلةٌ روحيّة، و لكن الرجل من لحمٍ و دم، و المرأة من لحمٍ و دم أو طينٍ و ماء كما يقولُ الشاعر..فهل يستطيعانِ الإفلاتَ من أنشوطةِ الجسد؟.

لِنَدَعْ ناجي يحدّثنا كيفَ بَدَأَ هذا الظمأُ الحِسّيّ، الغبار الآدمي كما يقول:


أينَ منّي مجلسٌ أنتِ بهِ
فتنةٌ تمّتْ سناءً و سنى

و أنا حبٌّ و قلبٌ و دَمٌ
و فراشٌ حائرٌ منكِ دَنا

و منَ الشوقِ رسولٌ بيننا
و نديمٌ قدّمَ الكأسَ لنا

و سقانا فانتفضنا لحظةً
لغبارٍ آدميٍّ مسّنا


اكتملت عناصر المعادلةِ الخطِرة: الفتنة و الحب و الشوق المُسكِر، فكانتِ النتيجة ما أحسّت بهِ امرأةُ العزيز و ما أحسّ بهِ يوسف _عليه السلام_ قبلَ أن يرى برهانَ ربّه. مالذي حدث؟
يخبرُنا ناجي أنّ الحبيبن رفضا أكلَ الفاكهة المحرّمة ، و حرقة الحرمانِ في القصيدة تؤكّد ذلكَ على نحوٍ لا يتركُ مجالاً للشكّ.

و لكن ناجي يضيف أنّ السبب هو أنّ الحبيبين عفّا و قرّرا الامتناعَ عن خوضِ اللهيب. و هنا علامةُ استفهام، أجدني مضطراً إلى طرحِها. سيرةُ ناجي _ كما يقولُ الذين عرفوه_ لم تكن خاليةً من قليلٍ أو كثير من البوهيميّة المنطلقة. و حياة البطلة _ كما قيلَ لنا قبلَ قليل_ كانت مزدحمةً بالعشّاقِ و المعجبين. أليسَ الأقرب إلى التصديق أنّ البطلة رفضتِ الاستجابة إلى نداءِ الجسد لأنّها أعدّت شاعرنا صديقاً لا عشيقاً. سؤالٌ لا ندري جوابَه و لا يهمُّنا جوابه كثيراً ، القصّة كما يرويها ناجي هي:



قد عرفنا صولةَ الجسمِ التي
تحكمُ الحيَّ و تطغى في دِماهْ

...

أَمَرَتنا فعصينا أمرَها
و أبينا الذّلَّ أن يغشى الجِباهْ

حكمَ الطاغي فكُنّا في العُصاهْ
و طُرِدْنا خلفَ أسوارِ الحياة


و أودُّ لحظةً أن أقِفَ هنا فأستبقُ السؤال لذي قد يدورُ في أذهانِكم : كيفَ أشكّكُ في صحّةِ ما رواه الشاعر في هذا المقطع بعدَ أن كرّرت أن شاعرَنا صادقٌ إلى درجةٍ محيّرة، بل إلى درجةٍ محرجة؟ و الجوابُ هنا أنّنا يجبُ أن نفرّقَ بينَ الصدقِ الحرفيّ ، و الصدقِ الفنّيّ ، فنحاسب الشاعر على الثاني دونَ الأوّل . إذا كتبَ الشاعرُ قصيدةً في هند و اسمُ الحبيبةِ الحقيقي سعاد _ كما كانَ شعراءُ العربِ القدامى يفعلون_ لم يكن لنا أن نزعمَ أنّهُ كاذب. و إذا زعمَ الشاعرُ أنّهُ رأى حبيبتَهُ على سفحِ جبل و حقيقة الأمر أنّهُ رآها في زحمةِ السوق ..لم يكن لنا أن نحاسبَهُ على كَذبِه. المهم أن تكونَ التجربة حقيقيّة، أمّ التفاصيل فلا تهمّ على الإطلاق. الشاعر فنّان ..و ليسَ مصوّراً فوتوغرافيّاً. و المثل العربيّ الذي يقول "أعذب الشعرِ أكذبه" لا يقصدُ أن يتحوّلَ كلّ شاعرٍ إلى كذّابٍ أَشِرْ، بقدرِ ما يصوّرُ الحقيقة.. و هيَ أنَّ الصورة الفنّيّة لا يمكن أن تكونَ مجرّدَ نسخةٍ طبقَ الأصل للواقع. روحُ الشاعرِ ليست مِرآةً تعكِسُ ما أمامها ، و لكنّها بلّورةٌ سحريّة تتلقّى لوناً واحداً و تعكسُ ألفَ لون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصيدة رائعة لوزير العمل السعودي سابقا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الاز الغالي :: الخواطر وهمس القلوب-
انتقل الى: